على إمتداد الادارات المتعاقبة على حكم العراق تعرضت مكونات من الشعب العراقي الى التطهير العرقي وسياسات محو الهوية وبعد سلخ العراق من الامبراطورية العثمانية في العام 1918 ووضعه تحت الانتداب البريطاني الذي دفع بسياساته الى غليان الشعب ومقاومة الاستعمار الامر الذي فتح الطريق امام ثورات متعددة وأولها هي ثورة العشرين في العام 1920، ومهد الانكليز سيطرتهم بواسطة الدعايات والوعود الكاذبة التي كانوا يوعدون بها الشعب العراقي، وانتهجت الولايات المتحدة اليوم نفس الاسلوب في احتلالها للعراق وكانت سياستها تشبه سياسة الانكليز كثيرا. وبدات الولايات المتحدة قبل حربها على العراق بتوزيع المنشورات الاعلامية المكتوبة والقاءها من الطائرات المروحية وجندت محطات اذاعية لتبرير حربها على العراق، وهيات – نفسيا – شعوب المنطقة للقبول بذلك ونجحت في كسر معنويات الجيش العراقي في حرب الخليج الاولى كما نجحت بواسطة المعارضة العراقية في التغلغل الى اوساط عموم الشعب عن طريق بث الدعايات اللازمة لذلك
دخلت قوات بريطانية ضمن التحالف الذي احتل العراق في العام 2003 عن طريق سواحل مدينة البصرة وبعد تلقيها مقاومة استمرت ثلاثة ايام وثلاثة ليال في ميناء ام قصر استطاعت احتلال المنطقة في الوقت الذي كانت تقتضي التوقعات دخول العراق من الشمال، لكن نفدت خطة الدخول من الجنوب، اما الخطة فقد كانت خطة اعلامية ارهابية بحته نفذت باحكام. حيث استطاعت ان تهيمن على وزاراتي الدفاع والاعلام وبذلك سيطرت على الأعلام المقابل وسارعت خطوات اعلامها الدعائية وبذلك سيطرت على معركة الأعلام ايضا. ووضعت يدها على التلفزيون وبثت بواسطتها برامج دعائية تظهر الولايات المتحدة كقوة فاتحة وعملت الرقابة الامريكية المفروضة على التلفزيون في قص كل ما يمكن اظهار الولايات المتحدة كقوة احتلال. ورغم النجاح الذي حققتها الولايات المتحدة في هذا المجال الا ان بعض القنوات الاجنبية استطاعت ان تظهر الوجه الحقيقي للولايات المتحدة. مثل قنوات الجزيرة والعربية حيث استطاعتا ان تقدما برامج تظهر الحقيقة للمشاهدين ودفعتا ثمن لذلك مثل قتل مراسليهم فيما بعد من قبل جنود الاحتلال في بغداد
اما حالات قتل الاعلاميين والصحافيين في العراق فقد وصل عددهم منذ العام 2003 الى العام 2007 الى 207 حالة بضمنهم 18 اجنبيا وفي الاحتفالية الاحتجاجية التي اقيمت في باريس عاصمة فرنسا في 3/5/2007 تم استذكار كل الصحفين والاعلامين الذين سقطوا قتلى في العراق.
التطورات الاعلامية بعد الاحتلالالامريكي للعراق
في الثلاثين سنة الاخيرة دخل العراق حروبا خسر فيها الكثير من الارواح والاموال في حرب السنوات الثمانية مع ايران ومن ثم حرب الخليج الاولى في 1991 والثانية في 2003 لكن بالرغم من كل ذلك استمرت الحياة وكان للاعلام دور لابأس به وفق الامكانيات المتاحة لها وبدأ الاعلاميون العراقيون منذ العام 2003 الى 2007 في التعريف بالحضارة والثقافة والحضارة السياسية العراقية خلال 1000 عام، بل تقاسموا الابداع في ذلك مع اقرانهم.
ألغى الامريكان منذ 9/4/2003 وزارتا الدفاع والاعلام وسرحوا الكوادر والموظفين الذين خدموا اعلام حزب البعث الحاكم طوال 35 عاما ثم عملت الولايات المتحدة على الغاء مايقارب 200 جريدة ومجلة صدرت تحت ادارة الحكومة العراقية. بعد ذلك اعادت تشكيل الذهنية الاعلامية في العراق بما يتناسب مع مخططاتها وكبديل للموسسات الاعلامية المنحلة، اسست شبكة الأعلام العراقي والغت الرقابة وألغت قانون الصحافة، بل أصبحت حرية الصحافة غير مقيدة تماماً . فرح العراقيون بذلك، وعمل الكثير منهم في الأعلام، وبالاخص المنظمات السياسية حيث بدات بتاسيس نظام اعلامي خاص بها، كل على حدة، وعمدت الولايات المتحدة الى دعم السياسات الاعلامية لكل حزب بلا استثناء، ماديا ومعنويا، لذلك عمدت الجماعات الى اصدار صحف خاصة بها او قنوات تلفزيونية او محطات اذاعية. اما الاحزاب ذات الامكانات المادية العالية فقد استطاعت الوصول الى اكبر عدد ممكن من قطاعات الشعب وبعضها إرتقت باعلامها عالميا. فالحزب الذي يملك قاعدة عريضة استطاع عبر اعلامه وفضائياته الوصول الى العالم كله، اما البقية فقد اكتفت بالبث المحلي.
أصبح تاسيس المحطات والبث دون اذونات مسبقة من الدولة، كما بدأ بث القطاع الخاص والاذاعات والمحطات التابعة للدولة، تابعاً لشبكة الأعلام العراقي. وبعد تشكيل الحكومة العراقية ووفقا للدستور العراقي أرتبطت المحطات والاذاعات لوزارة التخطيط دائرة مؤسسات المجتمع المدني وبما ان الاذاعات والمحطات بدأت العمل التجاري لذا صارت عليها لزاما اخذ الاذونات مسبقا من وزارة التخطيط التي وافقت على بعضها ولم توافق على بعضها الاخر. ظن العراقيون في البداية ان الولايات المتحدة ستفي بوعدها في تحقيق الاستقرار والرفاهية الاجتماعية الا ان هذا الاعتقاد اصبح ضربا من الخيال والوهم وحينما تم اكتشاف حقيقة الامر صار العراقيون ينتقمون ويكرهون بل يقامون قوات الولايات المتحدة وبدات الجماعات المعارضة للنظام توجه اعلامها ضدها مرة وضد الولايات المتحدة ولهذه الاسباب بادرت الى قطع مساعدتها المالية عن بعض القنوات الاعلامية التي لم توافق مخططاتها لفضح اساليبها الاستعمارية كقوة احتلال، لكنها ظلت تساعد المحطات التي تبث وفق مزاجها اوقفت محطات اخرى او تضع العراقيل امامها.
كما بدات قوات الاحتلال والقوات المؤتلفة معها بالتغلغل الى بعض وسائل الأعلام بطريقة او اخرى لغرض اجنداتها ولمساعدة اجهزة مخابراتها العاملة في الساحة بمساعدات مادية معنوية ونجحت في تدشين اذاعات وتلفزيونات مثل (الحرة) (التلفزيونية) و (سوا) الاذاعية.
الأعلام في العراق سواء كانت مرئية او مسموعة او مكتوبة او الكترونية فهي تمثل بصورة عامة وجهة نظر الجماعات. فخصوصية الأعلام الشيعي في العراق مثلا لا تسمح بالبرامج الموسيقية والغنائية اما الأعلام السني العربي فإنها تسمح بالبرامج الدينية والغنائية معا وتدعو الى وحدة العراق واخراج الولايات المتحدة من العراق كما كانت تبث أخبار المقاومة، اما الأعلام التركماني فهو الاخر يدعو الى وحدة العراق ارضا وشعبا ويخاطب في ذلك كل العراق والاطياف وبث برامج دينية، ثقافية، والاخبار المحايدة والمستقلة. اما الاعلام الكردي فتهدف من برامجها الى الدعوة الى الفيدرالية وهناك اتجاه واضح لتبني نهج الاستقلال السياسي عن العراق.
اما الأعلام السرياني فتظهر خصوصية الكلدان والاشور والسريان ويوجههم نحو وحدة الاراضي العراقية ويبث برامج تدعو الى اخراج العراقيين من محنتهم. اما الأعلام المرئي والمسموع والالكتروني المستقل وغير الخاضع للاحزاب السياسية هي الاخرى تدعو مشاهديها الى الحفاظ على سلامة التراب ووحدة الاراضي العراقية وتوحيد الشعب وتبث برامج تاريخية وثائقية ودينية وتقارير خبرية فالعائق الوحيد الذي يواجهه الأعلام العراقي اليوم يتمثل في ضعف الامن والاقتصاد وجراء فقدان الامن افلست مؤسسات اعلامية كثيرة.
اما الانترنيت فقد شهد بعد الاحتلال اقبالا واسعا من قبل العراقيين، جاءت الدولة على راس قائمة المهتمين بالانترنيت حيث فتحت كل دائرة web خاصة بها. اما الاحزاب السياسية فهي الاخرى قطعت مسافة كبيرة من خلال المجتمع المدني وباعلامها المرئي والمكتوب والنشر عبر الانترنيت اما الأعلام بصورة عامة في العراق فما عدا الأعلام الحكومي فقد انشطرت الى اعلام مذهبي وعرقي، العرب الشيعية، السنة، الكرد، التركمان، السريان، الكلدان، اليزديون وجماعات اقليمية واثنية اخرى وهي بمجموعها تدعو الى تكريس لغتها ودياناتها وثقافتها وعقائدها وعاداتها الاجتماعية في اعلامها. بالرغم من عدم وجود حقوق وحريات نشر او نظام للنشر حيث لم يصدر أي قانون بذلك.
كما برزت الديكتاتورية كأتجاه لاخضاع القوى السياسية لكن قياسا الى صحافة الدول العربية ففي العراق اليوم نوع من الحريات الصحافية تلك الدول ويعتبر قانون الصحافة العراقي من اغنى واشمل القوانين قياسا الى الدول. ففي نهاية العام 2007 قدم البرلمان العراقي مسودة للقانون والاعلام الى اللجنة الاعلامية وجرت المناقشات عليها. لكن لم تضم هذه اللجنة مندوبين من منظمات المجتمع المدني ولا النقابات الرسمية.
لذلك فتح باب المناقشات الحادة وبالرغم من كل شي، يوجد الان في العراق 40 قناة محلية تبث على الفضائية و60 قناة محلية و100 قناة تلفزيونية و 40 اذاعة محلية وما يقارب 200 من الصحافة المكتوبة وما يقارب 200 موقع الكتروني صحافي واعلامي.
ومن خلال هذا الكم الهائل من وسائل الاعلام يمكن القول ان العراق يشهد انفجارا اعلاميا بل قل ثورة اعلامية في هذا العهد. رغم اصطدام الاعلاميين بعراقيل وانهم يعملون تحت شروط صعبة وبالنتيجة شهدت الاعوام من 2003 – 2007 مقتل 247 صحفيا وهذا مشهد من مشاهد العنف الموجه ضد الاعلاميين والصحفيين
الصحافة المرئية (القنوات التلفزيونية)
المحطات التلفزيونية المحلية منها والوطنية بدات البث خلال 2003 – 2007 وكان معظمها تابعة للاحزاب والحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدني في العراق واليوم هناك 39 قناة محلية تبث على النيل سات والعرب سات والبعض الاخر يبث على القمر الاوربي هوت بيرد وهذه القنوات هي العراقية، الشرقية، المسار، السومرية، الحرة، الديار، الفيحاء، بابل، ديرة، عشتار، القيثارة، التواصل، اطياف، النهرين، صلاح الدين، الموصلية، الرافدين، الانوار، المشرق، الحرة عراق، فينوس، العهد، الفرقان، افاق، كوردستان، كوردسات، زاكروس، اشور، كلي كوردستان، توركمن ايلي …
القاسم المشترك بين الغالبية هذه القنوات التلفزيونية هو رفضها للاحتلال الامريكي للعراق ومطالبتها بخروج هذه القوات من العراق وبعض القنوات عارضت النظام وبرامج بعضها بدات بتوعية الشعب وعدم الانجرار الى التفرقة الطائفية والحفاظ على وحدة العراق ارضا وشعبا. اما قناة العراقية التابعة للدولة فهي تتبنى سياسات الدولة الرسمية ولو امعنا النظر في مستوى هذه القنوات فتجد تقصيرا في المستوى الفني وعدم وضوح الاهداف وغياب التخصصية وتوفير العناصر المؤهلة لكل ذلك.
وبملاحظة للبعد المالي للقنوات التي تبث من على الفضائيات فنجد الصرف الباذخ واضح للعيان فتاسيس أي محطة تلفزيونية في أي مكان كان في العراق يحتاج الى مليون دولار على الاقل ويدعم هذه المحطات من قبل بعض رجال الاعمال والفكر والدين والسياسة العاملين خارج العراق بغية الترويج لمناهجهم او افكارهم المختلفة وبالمقابل هناك دعم للافكار التي لاتخدم العراق ايضا. هذه التطورات التي حدثت في الصحافة التلفزيونية في العراق ايجابية ام سلبية فهي تنبىء على ان الأعلام في العراق دخل عصرا جديدا.
اما فروع قناة العراقية الرسمية فموجودة في كل محافظة. هذه القنوات من الناحية التقنية مرتبطة بشبكة الاعلام العراقي لكن سياستها في البث مستقلة. في عراق اليوم موجود 18 قناة تلفزيونية محلية على عدد المحافظات. ومحطات اذاعية هذه الاذاعات تبث منجزات المحافظة واخبارها والبعض الاخر تبث برامج لتذكر المركز بالوعود التي قطعت على نفسها من مشاريع او تبث على الشاشة برامج محاربة الفساد والرشوة والدعوة الى الديمقراطية وحقوق الانسان وهذه الخطوط العامة للبرامج التي تبث من القنوات المحلية اما الرقابة في هذا القطاع فلا نكاد نرى أي اثر لها على البرامج او السياسات الاعلامية.
اما القنوات المحلية التابعة لشبكة الأعلام العراقي فهي 10 وهي العراقية، العراقية الرياضية، اطياف، البصرة، كركوك، كوت، ديوانية، كربلاء، عمارة، السماوة وما عدا هذه القنوات فهناك قنوات محلية بحته في نفس المحافظات منها بغداد، اعيان، الحرية، الموصل، TRT توركمن ايلى، KTV لوكال،KCP،KIU ، ADM لوكال، هريم TV لوكال.